الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.تفسير الآيات (77- 89): {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}{وَنَادَوْاْ يامالك} وقرئ: {يا مال} على الترخيم مكسوراً ومضموماً، ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته، وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة {قَالَ إِنَّكُمْ ماكثون} لا خلاص لكم بموت ولا بغيره.{لَقَدْ جئناكم بالحق} بالإِرسال والإِنزال، وهو تتمة الجواب إن كان في {قَالَ} ضمير الله وإلا فجواب منه فكأنه تعالى تولى جوابهم بعد جواب مالك. {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون} لما في اتباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح.{أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً} في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته. {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أمراً في مجازاتهم والعدول عن الخطاب للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم، أو أم أحكم المشركون أمراً من كيدهم بالرسول {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنا بهم، ويؤيده قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} حديث أنفسهم بذلك. {ونجواهم} وتناجيهم. {بلى} نسمعهما. {وَرُسُلُنَا} والحفظة مع ذلك. {لَدَيْهِمْ} ملازمة لهم. {يَكْتُبُونَ} ذلك.{قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} منكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده، ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} غير أن {لَوْ} ثم مشعرة بانتفاء الطرفين، و{إن} هاهنا لا تشعر به ولا بنقيضه فإنها لمجرد الشريطة بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه، والدلالة على أن إنكاره الولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به. وقيل معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له أو الآنفين منه، أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه، أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة. وقرأ حمزة والكسائي {وَلَدَ} بالضم وسكون اللام.{سبحان رَبِّ السموات والأرض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} عن كونه ذا ولد فإن هذه الأجسام لكونها أصولاً ذات استمرار تبرأت عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل، فما ظنك بمبدعها وخالقها.{فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} في باطلهم. {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم. {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} أي يوم القيامة، وهو دلالة على أن قولهم هذا جهل واتباع هوى، وإنهم مطبوع على قلوبهم معذبون في الآخرة.{وَهُوَ الذي في السماء إله وَفِى الأرض إله} مستحق لأن يعبد فيهما، والظرف متعلق به لأنه بمعنى المعبود أو متضمن معناه كقولك: هو حاتم في البلد، وكذا فيمن قرأ {الله} والراجع مبتدأ محذوف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه، ولا يجوز جعله خبراً له لأنه لا يبقى له عائد لكن لو جعل صلة وقدر الإِله مبتدأ محذوف يكون به جملة مبينة للصلة دالة على أن كونه في السماء بمعنى الألوهية دون الاستقرار، وفيه نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاصه باستحقاق الألوهية.{وَهُوَ الحكيم العليم} كالدليل عليه.{وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} كالهواء. {وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها. {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} للجزاء، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وروح بالتاء على الالتفات للتهديد.{وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة} كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله. {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بالتوحيد، والاستثناء متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله لاندراج الملائكة والمسيح فيه، ومنفصل إن خص بالأصنام.{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ} سألت العابدين أو المعبودين. {لَيَقُولُنَّ الله} لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره {فأنى يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.{وَقِيلِهِ} وقول الرسول ونصبه للعطف على سرهم، أو على محل الساعة أو لإِضمار فعله أي وقال: {قيله}. وجره عاصم وحمزة عطفاً على {الساعة}، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره. {يارب إِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أو معطوف على {عِلْمُ الساعة} بتقدير مضاف. وقيل هو قسم منصوب بحذف الجار أو مجرور بإضماره، أو مرفوع بتقدير {وَقِيلِهِ يارب} قسمي، و{إِنَّ هَؤُلآء} جوابه.{فاصفح عَنْهُمْ} فأعرض عن دعوتهم آيساً عن إيمانهم. {وَقُلْ سلام} تسلم منكم ومتاركة. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم، وقرأ نافع وابن عامر بالتاء على أنه من المأمور بقوله. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة {ياعبادي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}»..سورة الدخان: مكية إِلا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب} الآية، وهي سبع أو تسع وخمسون آية..تفسير الآيات (1- 8): {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)}{حَم والكتاب المبين} القرآن والواو للعطف إن كان {حم} مقسماً به وإلا فللقسم والجواب قوله: {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة} ليلة القدر، أو البراءة ابتدئ فيها إنزاله، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوماً وبركتها لذلك، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية، أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية. {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} فَإِن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها، ويجوز أن يكون صفة {لَيْلَةٍ مباركة} وما بينهما اعتراض، وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ} وقرئ: {يُفْرَقُ} بالتشديد و{يُفْرَقُ} كل أي يفرقه الله، و{نفرق} بالنون.{أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا} أي أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالاً من كل أوامر، أو ضميره المستكن في {حَكِيمٌ} لأنه موصوف، وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدراً ل {يُفْرَقُ} أو لفعله مضمراً من حيث أن الفرق به، أو حالاً من أحد ضميري {أنزلناه} بمعنى آمرين أو مأموراً. {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}.{رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} بدل من {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم، وضع الرب موضع الضمير للإِشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة ل {يُفْرَقُ} أو {أمْراً}، و{رَحْمَةً} مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر {مّنْ عِنْدِنَا} لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا، فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإِلهية من باب الرحمة، وقرئ: {رَحْمَةً} على تلك رحمة. {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته.{رَبِّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} خبر آخر أو استئناف. وقرأ الكوفيون بالجر بدلاً {مِن رَبّكَ}. {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟ فقلتم الله، علمتم أن الأمر كما قلنا، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.{لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا خالق سواه. {يُحْيِي وَيُميتُ} كما تشاهدون. {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأولين} وقرئا بالجر بدلاً {مِن رَبّكَ}..تفسير الآيات (9- 18): {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)}{بَلْ هُمْ في شَكّ يَلْعَبُونَ} رد لكونهم موقنين.{فارتقب} فانتظر لهم. {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخاناً وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال: أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر. قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال: «يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين.{يَغْشَى الناس} يحيط بهم صفة للدخان وقوله: {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.{رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} مقدر بقول وقع حالاً و{إِنَّا مْؤْمِنُونَ} وعد بالإِيمان إن كشف العذاب عنهم.{أنى لَهُمُ الذكرى} من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة. {وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الإدكار من الآيات والمعجزات.{ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه {مَّجْنُونٍ}.{إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب} بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لما دعا رفع القحط {قَلِيلاً} كشفا قليلاً أو زماناً قليلاً وهو ما بقي من أعمارهم. {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى الكفر غب الكشف، ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين، فريثما يكشفه عنهم يرتدون، ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير.{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه. {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه، أو بدل من {يَوْمَ تَأْتِى}. وقرئ: {نَبْطِشُ} أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم، أو نحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصولة.{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم، أو أوقعناهم في الفتنة بالإِمهال وتوسيع الرزق عليهم. وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم. {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه.{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} بأن أدوهم إلى وأرسلوا معي، أو بأن أدوا إلي حق الله من الإِيمان وقبول الدعوة يا عباد الله، ويجوز أن تكون {أن} مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة. {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه، أو لائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر..تفسير الآيات (19- 29): {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)}{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله، و{أن} كالأولى في وجهيها. {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} علة للنهي ولذكر ال {أَمِينٌ} مع الأداء، والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى.{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} التجأت إليه وتوكلت عليه. {أَن تَرْجُمُونِ} أن تؤذوني ضرباً أو شتماً أو أن تقتلوني. وقرئ: {عت} بالإدغام فيه.{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي، ولا تتعرضوا إليَّ بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم.{فَدَعَا رَبَّهُ} بعدما كذبوه. {أَنْ هَؤُلآءِ} بأن هؤلاء {قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء، وقرئ بالكسر على إضمار القول.{فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً} أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك {فَأَسْرِ}، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بوصل الهمزة من سرى {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.{واترك البحر رَهْواً} مفتوحاً ذا فجوة واسعة أو ساكناً على هيئته بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئاً ليدخله القبط {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم.{كَمْ تَرَكُواْ} كثيراً تركوا. {مّن جنات وَعُيُونٍ}.{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} محافل مزينة ومنازل حسنة.{وَنَعْمَةٍ} وتنعم. {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمين، وقرئ: {فكهين}.{كذلك} مثل ذلك الإِخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك. {وأورثناها} عطف على المقدر أو على {تَرَكُواْ}. {قَوْماً ءَاخَرِينَ} ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل، وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر.{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم: بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك. ومنه ما روي في الأخبار: إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه. وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} ممهلين إلى وقت آخر.
|